مكان ضيق
كأني رأيتُ هذا المشهد من قبل، لا اختلاف تقريباً. نفس الشارع المظلم، الأسفلت اللامع في ماء المطر..
هل أمطرت؟ متى أمطرت؟
هناك مطر وسحب حمراء، إمتداد بلا نهاية لشارع مبتل، وشواهد قبورعلى الجانبين.. رأيتُ هذا المشهد من قبل. نفس العجوز مهشم الرأس، سيكون ملقى على بطنه في وسط الشارع، َثم دماء تذوب في ماء المطر، ورائحة موت قوية.
من بعيد أرى كل شيء كأنه تحت قدمي: الرأس المهشم المعجون بمزق اللحم والعظم والدم والشعر الأبيض وماء المطر.
لاشيء يأتي من الذاكرة، لا ذاكرة الآن..
كل شيء حاضر كما رأيته من قبل.
هل رأيته من قبل؟ أين رأيته من قبل؟
إنه يحدث الآن.
هذان شريطان من أثر السيارة يلمعان في امتداد الشارع. أعرف أنهما يقودان إلى موقف سيارات، وبائعي فاكهة، ومقاه وبيوت مسكونة. أعرف أيضا أنها ستظهر الآن. ستظهر من جديد، ستخرج من بين المقابر.رأيت هذا من قبل، لذلك.. لاجدوى من التفكير في الهرب، ستقودنى قدماي إليها، ولا داعى لأن أشرح لها: إني لا أعرفه، إني لم اقتله..
لن يسمعنى أحد، لامعنى لذلك فهى تعرف. ولكني سأطيع أمرها، وأحمل جثته على كتفي وأمضي خلفها، سيسرح الشعر والدم وماء المطر على جسدي، سينمو شعر مبلول تحت ملابسي، شعر أبيض وملوث بالدماء، يصعد إلى وجهي ويغطي عيني فلا أرى. ولا أعرف كيف أنحني وأنا أدخل مقبرة ضيقة، وفوق ظهري جثة، أضعها بجانب رجال كثيرين مهشمي الرؤوس. لا أعرف كيف سأفعل ذلك؟ ولكني أعرف أني سأفعله وسأصل إلى لحظة النهاية. سأنتهي منه على عجل، ألقيه حتى ترتطم رأسه بجدار المقبرة، وسأسمع آهة تخرج من بين شفتيه وأنا أخرج بسرعة.
ستكون قد خلعت ملابسها، ويجب أن أكتشف بنفسي فتنة ثدييها فألمسهما، ليس َثم دم ولا شعر ولاماء مطر وأنا بين ذراعيها أرتعش، ولا أبالي برجال مهشمي الرؤوس، يمشون على طريق الأسفلت، ويتبعون أثرالسيارة عليه.
استمر في القراءة قصتان من قصص (لمح البصر ) →